كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)



وهذا نموذج من التقريرات الصريحة الواضحة الجازمة من قول الله سبحانه:
{واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان}..
ومثله سائر التقريرات الواضحة الجازمة الصريحة التي ترسم حقيقة الإيمان وحدوده في كتاب الله.
لقد نزع الله ملكية الغنيمة ممن يجمعونها في المعركة؛ وردها إلى الله والرسول- في أول السورة- ليخلص الأمر كله لله والرسول؛ وليتجرد المجاهدون من كل ملابسة من ملابسات الأرض؛ وليسلموا أمرهم كله- أوله وآخره- لله ربهم وللرسول قائدهم؛ وليخوضوا المعركة لله وفي سبيل الله، وتحت راية الله، طاعة لله؛ يحكمونه في أرواحهم، ويحكمونه في أموالهم ويحكمونه في أمرهم كله بلا تعقيب ولا اعتراض.. فهذا هو الإيمان.. كما قال لهم في مطلع السورة وهو ينتزع منهم ملكية الغنيمة ويردها إلى الله ورسوله:
{يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين..} حتى إذا استسلموا لأمر الله، وارتضوا حكمه ذاك، فاستقر فيهم مدلول الإيمان.. عاد ليرد عليهم أربعة أخماس الغنيمة، ويستبقي الخمس على الأصل- لله والرسول- يتصرف فيه رسول صلى الله عليه وسلم، وينفق منه على من يعولهم في الجماعة المسلمة من ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل.. عاد ليرد عليهم الأخماس الأربعة، وقد استقر في نفوسهم أنهم لا يملكونها ابتداء بحق الغزو والفتح، فهم إنما يغزون لله ويفتحون لدين الله؛ إنما هم يستحقونها بمنح الله لهم إياها؛ كما أنه هو الذي يمنحهم النصر من عنده؛ ويدبر أمر المعركة وأمرهم كله.. وعاد كذلك ليذكرهم بأن الاستسلام لهذا الأمر الجديد هو الإيمان.. هو شرط الإيمان، وهو مقتضى الإيمان.
{واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان}..
وهكذا تتواتر النصوص، لتقرر أصلاً واضحاً جازماً من أصول هذا الدين في اعتبار مدلول الإيمان وحقيقته وشرطه ومقتضاه.
ثم نقف أمام وصف الله- سبحانه- لرسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: {عبدنا} في هذا الموضع الذي يرد إليه فيه أمر الغنائم كلها ابتداء، وأمر الخمس المتبقي أخيراً:
{إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان}..
إنه وصف موحٍ.. إن العبودية لله هي حقيقة الإيمان؛ وهي في الوقت ذاته أعلى مقام للإنسان يبلغ إليه بتكريم الله له؛ فهي تجلى وتذكر في المقام الذي يوكل فيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم التبليغ عن الله، كما يوكل إليه فيه التصرف فيما خوله الله.
وإنه لكذلك في واقع الحياة! إنه لكذلك مقام كريم.. أكرم مقام يرتفع إليه الإنسان..
إن العبودية لله وحده هي العاصم من العبودية للهوى، والعاصم من العبودية للعباد.. وما يرتفع الإنسان إلى أعلى مقام مقدر له، إلا حين يعتصم من العبودية لهواه كما يعتصم من العبودية لسواه.
إن الذين يستنكفون أن يكونوا عبيداً لله وحده، يقعون من فورهم ضحايا لأحط العبوديات الأخرى. يقعون من فورهم عبيداً لهواهم وشهواتهم ونزواتهم ودفعاتهم؛ فيفقدون من فورهم إرادتهم الضابطة التي خص الله بها نوع الإنسان من بين سائر الأنواع؛ وينحدرون في سلم الدواب فإذا هم شر الدواب، وإذا هم كالأنعام بل هم أضل، وإذا هم أسفل سافلين بعد أن كانوا- كما خلقهم الله- في أحسن تقويم.
كذلك يقع الذين يستنكفون أن يكونوا عبيداً لله في شر العبوديات الأخرى وأحطها.. يقعون في عبودية العبيد من أمثالهم، يصرفون حياتهم وفق هواهم، ووفق ما يبدو لهم من نظريات واتجاهات قصيرة النظر، مشوبة بحب الاستعلاء، كما هي مشوبة بالجهل والنقص والهوى!
ويقعون في عبودية الحتميات التي يقال لهم: إنه لا قبل لهم بها، وإنه لابد من أن يخضعوا لها ولا يناقشوها.. حتمية التاريخ.. وحتمية الاقتصاد.. وحتمية التطور وسائر الحتميات المادية التي تمرغ جبين الإنسان في الرغام وهو لا يملك أن يرفعه، ولا أن يناقش- في عبوديته البائسة الذليلة- هذه الحتميات الجبارة المذلة المخيفة!
ثم نقف كذلك أمام وصف الله- سبحانه- ليوم بدر بأنه يوم الفرقان:
{إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان}..
لقد كانت غزوة بدر- التي بدأت وانتهت بتدبير الله وتوجيهه وقيادته ومدده- فرقاناً.
فرقاناً بين الحق والباطل- كما يقول المفسرون إجمالاً- وفرقاناً بمعنى أشمل وأوسع وأَدق وأعمق كثيراً..
كانت فرقاناً بين الحق والباطل فعلاً.. ولكنه الحق الأصيل الذي قامت عليه السماوات والأرض، وقامت عليه فطرة الأشياء والأحياء.. الحق الذي يتمثل في تفرد الله- سبحانه- بالألوهية والسلطان والتدبير والتقدير؛ وفي عبودية الكون كله: سمائه وأرضه، أشيائه وأحيائه، لهذه الألوهية المتفردة ولهذا السلطان المتوحد، ولهذا التدبير وهذا التقدير بلا معقب ولا شريك.. والباطل الزائف الطارئ الذي كان يعم وجه الأرض إذ ذاك؛ ويغشي على ذلك الحق الأصيل؛ ويقيم في الأرض طواغيت تتصرف في حياة عباد الله بما تشاء، وأهواء تصرف أمر الحياة والأحياء!.. فهذا هو الفرقان الكبير الذي تم يوم بدر؛ حيث فرق بين ذلك الحق الكبير وهذا الباطل الطاغي؛ وزيل بينهما فلم يعودا يلتبسان!
لقد كانت فرقاناً بين الحق والباطل بهذا المدلول الشامل الواسع الدقيق العميق، على أبعاد وآماد: كانت فرقاناً بين هذا الحق وهذا الباطل في أعماق الضمير.. فرقاناً بين الوحدانية المجردة المطلقة بكل شعبها في الضمير والشعور، وفي الخلق والسلوك، وفي العبادة والعبودية؛ وبين الشرك في كل صوره التي تشمل عبودية الضمير لغير الله من الأشخاص والأهواء والقيم والأوضاع والتقاليد والعادات..
وكانت فرقاناً بين هذا الحق وهذا الباطل في الواقع الظاهر كذلك.. فرقاناً بين العبودية الواقعية للأشخاص والأهواء، وللقيم والأوضاع، وللشرائع والقوانين، وللتقاليد والعادات... وبين الرجوع في هذا كله لله الواحد الذي لا إله غيره، ولا متسلط سواه، ولا حاكم من دونه، ولا مشرع إلا إياه.. فارتفعت الهامات لا تنحني لغير الله؛ وتساوت الرؤوس لا تخضع إلا لحاكميته وشرعه؛ وتحررت القطعان البشرية التي كانت مستعبدة للطغاة..
وكانت فرقاناً بين عهدين في تاريخ الحركة الإسلامية: عهد الصبر والمصابرة والتجمع والانتظار. وعهد القوة والحركة والمبادأة والاندفاع.. والإسلام بوصفه تصوراً جديداً للحياة، ومنهجاً جديداً للوجود الإنساني، ونظاماً جديداً للمجتمع، وشكلاً جديداً للدولة.. بوصفه إعلاناً عاماً لتحرير الإنسان في الأرض بتقرير ألوهية الله وحده وحاكميته، ومطاردة الطواغيت التي تغتصب ألوهيته وحاكميته.. الإسلام بوصفه هذا لم يكن له بد من القوة والحركة والمبادأة والاندفاع، لأنه لم يكن يملك أن يقف كامناً منتظراً على طول الأمد. لم يكن يستطيع أن يظل عقيدة مجردة في نفوس أصحابه، تتمثل في شعائر تعبدية لله، وفي أخلاق سلوكية فيما بينهم. ولم يكن له بد أن يندفع إلى تحقيق التصور الجديد، والمنهج الجديد، والدولة الجديدة، والمجتمع الجديد، في واقع الحياة؛ وأن يزيل من طريقها العوائق المادية التي تكبتها وتحول بينها وبين التطبيق الواقعي في حياة المسلمين أولاً؛ ثم في حياة البشرية كلها أخيراً.. وهي لهذا التطبيق الواقعي جاءت من عند الله.
وكانت فرقاناً بين عهدين في تاريخ البشرية.. فالبشرية بمجموعها قبل قيام النظام الإسلامي هي غير البشرية بمجموعها بعد قيام هذا النظام.. هذا التصور الجديد الذي انبثق منه هذا النظام. وهذا النظام الجديد الذي انبثق من هذا التصور. وهذا المجتمع الوليد الذي يمثل ميلاداً جديداً للإنسان. وهذه القيم التي تقوم عليها الحياة كلها ويقوم عليها النظام الاجتماعي والتشريع القانوني سواء.. هذا كله لم يعد ملكاً للمسلمين وحدهم منذ غزوة بدر وتوكيد وجود المجتمع الجديد. إنما صار- شيئاً فشيئاً- ملكاً للبشرية كلها؛ تأثرت به سواء في دار الإسلام أم في خارجها، سواء بصداقة الإسلام أم بعداوته!.. والصليبيون الذين زحفوا من الغرب، ليحاربوا الإسلام ويقضوا عليه في ربوعه، قد تأثروا بتقاليد هذا المجتمع الإسلامي الذي جاءوا ليحطموه؛ وعادوا إلى بلادهم ليحطموا النظام الإقطاعي الذي كان سائداً عندهم، بعد ما شاهدوا بقايا النظام الاجتماعي الإسلامي! والتتار الذين زحفوا من الشرق ليحاربوا الإسلام ويقضوا عليه- بإيحاء من اليهود والصليبيين من أهل دار الإسلام!- قد تأثروا بالعقيدة الإسلامية في النهاية، وحملوها لينشروها في رقعة من الأرض جديدة؛ وليقيموا عليها خلافة ظلت من القرن الخامس عشر إلى القرن العشرين في قلب أوربا!.. وعلى أية حال فالتاريخ البشري كله- منذ وقعة بدر- متأثر بهذا الفرقان في أرض الإسلام، أو في الأرض التي تناهض الإسلام على السواء.
وكانت فرقاناً بين تصورين لعوامل النصر وعوامل الهزيمة. فجرت وكل عوامل النصر الظاهرية في صف المشركين؛ وكل عوامل الهزيمة الظاهرية في صف العصبة المؤمنة، حتى لقال المنافقون والذين في قلوبهم مرض: {غر هؤلاء دينهم}.. وقد أراد الله أن تجري المعركة على هذا النحو- وهي المعركة الأولى بين الكثرة المشركة والقلة المؤمنة- لتكون فرقاناً بين تصورين وتقديرين لأسباب النصر وأسباب الهزيمة؛ ولتنتصر العقيدة القوية على الكثرة العددية وعلى الزاد والعتاد؛ فيتبين للناس أن النصر للعقيدة الصالحة القوية، لا لمجرد السلاح والعتاد؛ وأن أصحاب العقيدة الحقة عليهم أن يجاهدوا ويخوضوا غمار المعركة مع الباطل غير منتظرين حتى تتساوى القوى المادية الظاهرية، لأنهم يملكون قوة أخرى ترجح الكفة؛ وأن هذا ليس كلاماً يقال، إنما هو واقع متحقق للعيان.
وأخيراً فلقد كانت بدر فرقاناً بين الحق والباطل بمدلول آخر. ذلك المدلول الذي يوحي به قول الله تعالى في أوائل هذه السورة:
{وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون} لقد كان الذين خرجوا للمعركة من المسلمين، إنما خرجوا يريدون عير أبي سفيان واغتنام القافلة. فأراد الله لهم غير ما أرادوا.
أراد لهم أن تفلت منهم قافلة أبي سفيان {غير ذات الشوكة} وأن يلاقوا نفير أبي جهل {ذات الشوكة} وأن تكون معركة وقتال وقتل وأسر؛ ولا تكون قافلة وغنيمة ورحلة مريحة! وقال لهم الله- سبحانه- إنه صنع هذا:
{ليحق الحق ويبطل الباطل} وكانت هذه إشارة لتقرير حقيقة كبيرة.. إن الحق لا يحق، وإن الباطل لا يبطل- في المجتمع الإنساني- بمجرد البيان النظري للحق والباطل. ولا بمجرد الاعتقاد النظري بأن هذا حق وهذا باطل.. إن الحق لا يحق ولا يوجد في واقع الناس؛ وإن الباطل لا يبطل ولا يذهب من دنيا الناس. إلا بأن يتحطم سلطان الباطل ويعلو سلطان الحق، وذلك لا يتم إلا بأن يغلب جند الحق ويظهروا، ويهزم جند الباطل ويندحروا.. فهذا الدين منهج حركي واقعي، لا مجرد نظرية للمعرفة والجدل! أو لمجرد الاعتقاد السلبي!
ولقد حق الحق وبطل الباطل بالموقعة؛ وكان هذا النصر العملي فرقاناً واقعياً بين الحق والباطل بهذا الاعتبار الذي أشار إليه قول الله تعالى في معرض بيان إرادته- سبحانه- من وراء المعركة، ومن وراء إخراج الرسول صلى الله عليه وسلم من بيته بالحق؛ ومن وراء إفلات القافلة {غير ذات الشوكة} ولقاء الفئة ذات الشوكة..
ولقد كان هذا كله فرقاناً في منهج هذا الدين ذاته، تتضح به طبيعة هذا المنهج وحقيقته في حس المسلمين أنفسهم.. وأنه لفرقان ندرك اليوم ضرورته؛ حينما ننظر إلى ما أصاب مفهومات هذا الدين من تميع في نفوس من يسمون أنفسهم مسلمين! حتى ليصل هذا التميع إلى مفهومات بعض من يقومون بدعوة الناس إلى هذا الدين!
وهكذا كان يوم بدر {يوم الفرقان يوم التقى الجمعان} بهذه المدلولات المنوعة الشاملة العميقة..
{والله على كل شيء قدير}..
وفي هذا اليوم مثل من قدرته على كل شيء.. مثل لا يجادل فيه مجادل، ولا يماري فيه ممار.. مثل من الواقع المشهود، الذي لا سبيل إلى تفسيره إلا بقدرة الله. وأن الله على كل شيء قدير.
وهنا يعود السياق إلى يوم الفرقان يوم التقى الجمعان.. يعود إلى المعركة، فيعيد عرضها بأسلوب عجيب في استحضار مشاهدها ومواقفها، كما لو كانت معروضة فعلاً، ويكشف عن تدبير الله في إدارتها. حتى ليكاد الإنسان يرى يد الله- سبحانه- من وراء الأحداث والحركات كما يكشف عن غاية ذلك التدبير التي تحققت كما أرادها الله سبحانه:
{إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيّ عن بينة وإن الله لسميع عليم إذ يريكهم الله في منامك قليلاً ولو أراكهم كثيراً لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم إنه عليم بذات الصدور.
وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمراً كان مفعولاً وإلى الله ترجع الأمور}.
إن المعركة شاخصة بمواقع الفريقين فيها؛ وشاهدة بالتدبير الخفي من ورائها.. إن يد الله تكاد ترى، وهي توقف هؤلاء هنا، وهؤلاء هناك، والقافلة من بعيد! والكلمات تكاد تشف عن تدبير الله في رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم وفي تقليل كل فريق في عين الفريق الآخر، وفي إغراء كل منهما بالآخر.. وما يملك إلا الأسلوب القرآني الفريد، عرض المشاهد وما وراء المشاهد بهذه الحيوية، وبهذه الحركة المرئية، وفي مثل هذه المساحة الصغيرة من التعبير!
وهذه المشاهد التي تستحضرها النصوص، قد مر بنا في استعراض الوقعة من السيرة الإشارة إليها.. ذلك أن المسلمين حين خرجوا من المدينة نزلوا بضفة الوادي القريبة من المدينة؛ ونزل جيش المشركين بقيادة أبي جهل بالضفة الأخرى البعيدة من المدينة؛ وبين الفريقين ربوة تفصلهما.. أما القافلة فقد مال بها أبو سفيان إلى سيف البحر أسفل من الجيشين.
ولم يكن كل من الجيشين يعلم بموقع صاحبه. وإنما جمعهما الله هكذا على جانبي الربوة لأمر يريده. حتى لو أن بينهما موعداً على اللقاء ما اجتمعا بمثل هذه الدقة والضبط من ناحية المكان والموعد! وهذا ما يذكر الله به العصبة المسلمة ليذكرها بتدبيره وتقديره.
{إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً}..
إن وراء هذا التلاقي على غير موعد- بهذه الدقة وبهذا الضبط- لأمراً مقضياً يريد الله تحقيقه في عالم الواقع، ويدبر له هذا التدبير الخفي اللطيف؛ ويجعلكم أنتم أداة تحقيقه، ويهيئ له جميع الظروف التي تيسر لكم القيام به!